قناة علوم عظيمة على اليوتيوب

أخرى

مراحل الدعوة الإسلامية

هذا المقال يخضع للمعالجة الالية من طرف كشًاف، إذا كانت لديك أي ملاحظات عليه لا تتردد في مراسلتنا.

وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، وما كانت الدعوة إلى الله بتلك المرتبة؛ إلّا لِما لها عبر النتائج، كهداية الناس وإرشادهم إلى الإيمان، وتكون الدعوة إلى الله بالدعوة إلى دينه، والسَّير على طريقه، واتّباع ما أمر به، والابتعاد عن جميعّ ما يُدخل الشرك في عبادته، والتقرُّب عبر جميعّ ما أمر به الإسلام، والابتعاد عن جميعّ ما نهى عنه. مراحل الدعوة الإسلامية الدعوة في الخطوة المكّية الدعوة السرّية '); } بدأ الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالدعوة الإسلاميّة في مكّة المُكرَّمة بأمرٍ عبر الله -تعالى-؛ إذ نطق: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنذِرْ*وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ*وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ*وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ*وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ*وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ)، فبدأ الرسول بدعوة أهل بيته، ثمّ الأقربين فالأقربين، وكانت الدعوة حينها سرّيةً؛ دون حتى دراسة بها قريش، وقد وصل عدد المُستجيبين لها إلى أربعين، منهم: خديجة بنت خويلد، وزيد بن حارثة، وعلي بن أبي طالب، وأبو بكر الصدّيق، وغيرهم، وعُرِفت تلك الخطوة عبر الدعوة بالخطوة الأرقميّة؛ نِسبةً إلى دار... < xml version="1.0" encoding="UTF-8" >

'); }
الدعوة إلى الإسلام
أوفد الله -تعالى- الأنبياء، والرُّسل -عليهم السلام-، وجميعّفهم بأشرف الوظائف؛ وهي الدعوة إلى الله، وقد أوصلوها إلى عبر اتى بعدهم عبر عباد الله الصالحين، وتأتي الدعوة إلى الله -تعالى- بالنظر إلى أبرزّيتها في المرتبة الثانية بعد الإيمان بالله، نطق -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، وما كانت الدعوة إلى الله بتلك المرتبة؛ إلّا لِما لها عبر النتائج، كهداية الناس وإرشادهم إلى الإيمان، وتكون الدعوة إلى الله بالدعوة إلى دينه، والسَّير على طريقه، واتّباع ما أمر به، والابتعاد عن جميعّ ما يُدخل الشرك في عبادته، والتقرُّب عبر جميعّ ما أمر به الإسلام، والابتعاد عن جميعّ ما نهى عنه.

مراحل الدعوة الإسلامية
الدعوة في الخطوة المكّية

الدعوة السرّية

'); }
بدأ الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالدعوة الإسلاميّة في مكّة المُكرَّمة بأمرٍ عبر الله -تعالى-؛ إذ نطق: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنذِرْ*وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ*وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ*وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ*وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ*وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ)، فبدأ الرسول بدعوة أهل بيته، ثمّ الأقربين فالأقربين، وكانت الدعوة حينها سرّيةً؛ دون حتى دراسة بها قريش، وقد وصل عدد المُستجيبين لها إلى أربعين، منهم: خديجة بنت خويلد، وزيد بن حارثة، وعلي بن أبي طالب، وأبو بكر الصدّيق، وغيرهم، وعُرِفت تلك الخطوة عبر الدعوة بالخطوة الأرقميّة؛ نِسبةً إلى دار الأرقم؛ إذ كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يُعلّم الصحابة أمور الدين فيها، وذلك قبل الهجرة إلى المدينة المُنوَّرة؛ حيث كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يجتمع بهم في شِعاب* مكّة المُكرَّمة، ولمّا عَلِمت قريش بأمرهم، تصدّت لهم؛ فتوجّه بهم رسول الله إلى دار الأرقم الواقعة على جبل الصفا، واستمرّت الدعوة بشجميعٍ سرّيٍ مدّة ثلاث سنواتٍ، ثمّ اتى الأمر عبر الله بالجهر فيها.

وقد كان رسول الله حريصاً على تشكيل الإنسانيّة القياديّة لدى الصحابة خلال الدعوة السرّية، والتي ترتكز بشجميعٍ أساسيٍّ على صفتَي القوّة، والأمانة، بما يتضمّن الالتزام بالعبادات التي تُقرّب المسلم إلى الله، وكان القرآن الكريم المَرجع الأساسيّ للنبيّ، فهماً أنّ الرسول بذل جهده في تأسيس هذه الإنسانيات التي تتولّى مهمّاتٍ قياديّةٍ دون النظر إلى أيّ مُحدِّداتٍ، ومن الأمثلة على ذلك ما ظهر في الصحابيّ الجليل ابن أمّ مكتوم؛ عملى الرغم عبر أنّه كان ضريراً، إلّا أنّ رسول الله كان يجعله خليفةً له على المدينة حين يخرج إلى الغزو، وكان في بعض الأحيان يخرج إلى الجهاد بنفسه؛ فقد رُوِي عنه أنّه كان يقول لأصحابه: "أقيموني بين الصفين، وحمّلوني اللواء أحمله لكم، وأحفظه، فأنا أعمى، لا أستطيع الفرار"، وكان أيضاً عبر مُؤذّني المدينة مع بلال بن رباح.

وتُعَدّ الخطوة السرّية أحد أبرزّ مراحل الدعوة، ولها مجموعةٌ عبر الضوابط التي سار على نهجها رسول الله، وبيانها بشجميعٍ مُفصَّلٍ فيما يأتي:
  • - مبدأ التدرُّج: فقد وعى رسول الله ما يجب حتى تكون عليه الدعوة عبر التأنّي، وعدم الاستعجال في الوصول إلى المطلوب، وهي قاعدةٌ ينبغي على الدُعاة جميعهم اتِّباعها في دعوتهم؛ حيث يبدأ التدرُّج بحتى تكون الدعوة سرّيةً، ثمّ يتمّ الإعلان عنها فيما بعد، أمّا فيما يتعلّق بطول مدّة سرّيتها؛ فيختلف بحسب الظروف الواقعة فيها، ومع أنّ الرسول كانت دعوته في بدايتها سرّيةً، إلا أنّ هذا المبدأ غير مشروطٍ في جميعّ دعوةٍ، وإنّما يُقرَّر وجوده بحسب الواقع؛ عبر حيث الزمان، والمكان، كما سار المسلمون في مكّة على نهج اعتبار الدعوة مبدأ ثابتاً ينبغي السير عليه، ومع ارتباط فكرة سرّية الدعوة بالتدرُّج فيها، إلّا أنّ التخلّي عن مبدأ السرّية لا يعني هجر التدرُّج في الدعوة؛ فالتدرُّج قاعدةٌ عبر قواعد الشريعة الإسلاميّة بمجالاتها جميعها، ومن أمثلة ذلك ما أوصى به رسولُ الله معاذ بن جبل حين أوفده إلى اليمن، حيث نطق له: (إنَّكَ تَأْتي قَوْمًا مِن أهْلِ الكِتابِ، فادْعُهُمْ إلى شَهادَةِ أنَّ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللهِ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِن أغْنِيائِهِمْ فَتُرَدُّ في فُقَرائِهِمْ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فإيَّاكَ وكَرائِمَ أمْوالِهِمْ، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه ليسَ بيْنَها وبيْنَ اللهِ حِجابٌ).
  • - أخذ الحِيطة والحذر: وهذا المبدأ يضم الدعوة بتفاصيلها ومراحلها جميعها، وليس الخطوة السرّية منها فقط، وإنّما كان التأسيس لهذا المبدأ في الخطوة السرّية، كما علّم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه السير على مبدأ الحِيطة والحذر في مجالات الحياة جميعّها، أمّا في المجال الدعويّ فيظهر ذلك جليّاً باختيار رسول الله لدار الأرقم بن أبي الأرقم عمّا سواها، وقد اختارها رسول الله؛ لأنّ الأرقم لم يتجاوز عمره حينذاك السابعة عشر، فلا يُمكن حتى يخطر على بال أحدٍ عبر قريش أنقد يحدث الرسول في مثل ذلك البيت، وإنّما الأصل حتى يختار رسول الله بيتاً عبر بيوت كبار الصحابة الذين لا تجرؤ قريش عليهم، كما أنّ دار الأرقم كانت بعيدةً عن مراكز تجمُّعات قريش، بالإضافة إلى وقوعها على جبل الصفا؛ ممّا يُسهّل عملية مراقبة الطرق المُؤدّية إليها، ثمّ إنّ الأرقم كان عبر قبيلة بني مخزوم ورسول الله عبر قبيلة قريش؛ وكانت بين القبيلتَين الكثير عبر النزاعات، فلا يُمكن حتى يخطر على بال أحدٍ حتى يتّجه رسول الله إلى بيت أحدٍ عبر تلك القبيلة، وقد أكدّت الروايات جميعها أنّ ذلك البيت لم يتعرّض لأيّ خطرٍ طيلة لقاء رسول الله بأصحابه فيه.
  • - مبدأ التغيير: ويستند التغيير إلى قواعد يتمّ تحديدها بناءً على المجتمع، وما يسير عليه أفراده عبر العادات، وفي مكّة كان هدف رسول الله تغيير قومه عبر عبادة الأصنام التي وجدوا عليها آباءهم، وأجدادهم، إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وقد هيّأ الله -تعالى- نبيّه على ذلك المبدأ ضمن قواعد؛ أوّلها: تغيير النفس؛ حيث هيّأ الله نبيّه للدعوة منذ شبابه؛ فكان يتعبّد في الغار الليالي ذوات العدد*، بعيداً عن اللهو واللعب، يتأمّل ويتفكّر في جميعّ ما حوله، وبعد حتى تهيّأ تماماً أوفد الله جبريل -عليه السلام- إليه، وثانيها: تغيير أهل بيته؛ فقد كانت زوجته خديجة أوّل عبر آمن برسالته، وأعانه في دعوته، ثمّ انتقل إلى دعوة أهل بيته، وكان لإجابتهم الأثر العظيم في مساندته، وثالثها: تغيير المجتمع؛ فقد انتقل الرسول إلى دعوة أفراد المجتمع دعوةً فرديّةً حسب ما يراه مناسباً عبر استجابتهم، ثمّ انتقل جميعٌّ منهم إلى دعوة أهل بيته.
  • - الاحتواء: ويعتمد على احتضان ما تقوم عليه الدعوة؛ لاستمراريّتها، ونهوضها، كماقد يحدث الاحتواء في الزمان، والمكان؛ لتمهيد الإعلان عن الدعوة، وما يتبع ذلك عبر تخلّي قريش عمّا ورثته عن آبائهم، وأجدادهم، والتخلّي عن الزعامة، وكان مبدأ الاحتواء مبدأً سار عليه رسول الله في الكثير عبر الأحيان؛ فقد احتوى على سبيل المثال الأزمة المادّية التي أصابت المسلمين في المدينة المُنوَّرة بعد الهجرة؛ وذلك بالمؤاخاة بين المهاجرين، والأنصار.
  • - التنوُّع والاختلاف وعالَميّة الدعوة: فقد وصل رسول الله في دعوته إلى أطياف المجتمع جميعها؛ عبر فقير، وغنيّ، وصغير، وكبير، وغيرهم، ولم يهجر قبيلةً عبر القبائل إلّا وصل إليها، ونادىها، وانتشر الإسلام بشجميعٍ مُتساوٍ بين القبائل جميعّها، ولم تبقَ هناك قبيلة إلّا ودخل فيها الإسلام، ممّا هيّأ بيئةً خصبةً لانتشار الإسلام، وعدم اقتصاره على فئةٍ أو قبيلةٍ مُعيَّنةٍ، كما لم يقتصر الإسلام في عالَميّته على العرب، وعلى أهل مكّة، وإنّما ولج فيه الفُرس، والروم، ويُلاحَظ على مَن أسلموا في هذه الخطوة سِنّ الشباب، وكان ذلك مقصوداً عبر النبيّ؛ للاعتماد عليهم، إلى جانب أنّهم لمقد يحدثوا قد اعتنقوا عبادة الأصنام فترة طويلة؛ ولهذا فإنّ تقبُّلهم للإسلامقد يحدث أسرع، كما أنّ عمرهم ساعد على ديمومة الدعوة، واستمراريّتها، ولا تخشىى أبرزّية كبار السِنّ، وحِكمتهم، غضافة إلى أنّ رسول الله نادى الرجل والمرأة، ولم يُلغِ دور أيٍّ منهما؛ فأوّل عبر أسلم مع النبيّ زوجته خديجة بنت خويلد، وقد شاركت المرأةُ الرجلَ في أحداث الدعوة جميعّها؛ فهاجرت معه، ودخلت غِمار المعركة، وتعرّضت لأنواعٍ عبر العذاب.
  • - فِقه الحفاظ على النفس على وجه العموم: فإدراك النبيّ لذلك دفعه لحتى تكون الدعوة في بدايتها سرّيةً، مع الابتعاد عن القتال؛ وذلك لمسببات عديدةٍ، منها: التربية على الصبر، والمحافظة على الهدف الأساسيّ للدعوة، وعدم الانشغال بالثأر الذي يُؤدّي إلى انتشار الحقد والكراهية بين الناس، إلى غير ذلك عبر المسببات، فترتّب على ذلك حتى كان الحفاظ على النفس ضرورةً عبر ضرورات الإسلام الخمس.
  • - فِقه الإعداد والبناء: وترتكز هذه النقطة على النقطة السابقة؛ فقد مَنع رسول الله القتالَ؛ ليتفرّغ لإعداد المسلمين إعداداً عَقَدِيّاً سليماً يساعده على المُضِيّ قُدُماً في الدعوة.
  • - فِقه الأخذ بالمسببات: فقد جعل الرسول الدعوة سرّيةً، واختار مكاناً للقاء الصحابة، وبذلك تمكّنت الدعوة، وثبتت فيما بعد، واستمرّ على ذلك النَّهج في جميع المراحل التي مرّت بها الدعوة.
  • - فِقه التخطيط والتنظيم: وهو مبدأ سار عليه رسول الله في مراحل الدعوة جميعها، وفي جميعّ ما كان يقوم به؛ فقد بدأ بدعوة المُقرّبين فالأقربين.
  • - فِقه الاستشارة: فمن صفات القائد أنّه لا يفرض رأيه، وإنّما يستشير مَن حوله عبر أهل الخبرة والمعهدة بما يُحقّق الغاية والهدف، وقد عمل النبيّ بذلك في جميع مراحل الدعوة، ومواقفها.

الدعوة الجهرية وموقف قريش منها

بدأت الدعوة بمرحلتها الثانية، وانتقلت عبر الخطوة السرّية إلى الخطوة الجهريّة، وذلك بنزول قول الله -تعالى-: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)، فما كان عبر قريش إلّا حتى تصدّت لتلك الدعوة، وبدأت تُعارضها بجميعّ ما تملكه عبر الأساليب، والاتِّجاهات؛ إذ لجأت إلى التهديد، والتخويف، والتذليل، وغيرها، ومع ذلك ثبت رسول الله على دعوته، واستمرّ الجهر بالدعوة إلى حين الهجرة إلى المدينة المُنوَّرة، وفي ما يأتي أبرز الأمثلة التي تعرّض لها رسول الله، وأصحابه عبر الإيذاء في سبيل هذه الدعوة:
  • -تعرُّض رسول الله -عليه الصلاة والسلام- للضرب عبر قِبَل قريش؛ بحُجّة صبرهم على ما يعمله رسول الله عبر احتقار آلهتهم، وسبّها كما يدّعون، وقد دافع عنه آنذاك أبو بكر الصديق، وتصدّى لهم، قائلاً: "أتقتلون رجلاً حتى يقول ربي اللهيا ترى؟".
  • -تعرُّض الرسول للإيذاء عبر قِبَل عمّه أبي لهب وزوجته؛ فقد كانا عبر أشدّ الأعداء للنبيّ، والدعوة، حتى هبط قول الله -تعالى-: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ*سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ*وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ*فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ).
  • -تعرُّض الصحابة -رضي الله عنهم- لشتّى أنواع التعذيب؛ فقد تعرّض أبو بكر الصدّيق للأذى، وجُعِل التراب على رأسه، وضُرِب على وجهه، كما تعرّض بلال بن رباح لمختلف أنواع الأذى، وثبت على توحيد الله رغم ما تعرّض له، إلى جانب الكثير عبر الأمثلة على صبر الصحابة على التعذيب في سبيل الدعوة.

للمزيد عبر التفاصيل عن ثبات الرسول -صلى الله عليه وسلم- في دعوته الاطّلاع على منطقة: ((ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم)).

دعوة أهل الطائف
خرج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عبر مكّة مُتوجِّهاً إلى الطائف في شهر شوّال عبر السنة العاشرة للبعثة؛ ليدعو أهلها إلى الإسلام، وتوحيد الله، ورافقه في تلك الرحلة زيد بن حارثة، وكان يدعو جميعّ قبيلةٍ يمرّ بها أثناء سَيره، إلّا أنّهم رفضوا دعوته، كما رفضها أهل الطائف، وبقي فيها عشرة أيّامٍ إلى حتى طردوه، وتَبِعَه السفهاء منهم، وضربوه بالحجارة، وسبّوه، فتصدّى لهم زيد بن حارثة، ووقف أمام رسول الله يحميه حتى ضُرِب في رأسه، وسارا حتى وصلا إلى حائطٍ لعتبة بن ربيعة، وأخيه شيبة، فجلس رسول الله تحت شجرة عنبٍ يستظلّ بظلّها، ونادى ربّه، فرقّ له قلبا عتبة وشيبة، فأوفدا له قُطفاً عبر العنب مع غلام نصرانيّ يُدعى عدّاس، فتناوله رسول الله، وبدأ بأجميعه، قائلاً: "باسم الله"، فسأله عدّاس عمّا نطقه مُتعجِّباً أنّ جميعامه لا يصدر عبر أهل ذاك المكان، فسأله الرسول عن أصله ودينه، فأبلغه أنّه عبر أهل نينوى، وأنّه يعتنق النصرانيّة، فعهد رسول الله أنّ نينوى هي بلاد نبيّ الله يونس -عليه السلام-، فتعجّب الفتى وسأله عن صِلته بيونس، فنطق رسول الله: "ذاك أخي، كان نبياً وأنا نبي"، ثمّ أخذ عدّاس يُقبّل يَدَي رسول الله وقَدمَيه، ونطق لابنَي ربيعة إنّ الرسول أبلغه بما لا يفهم به إلّا نبيّ، فلاموه وعاتبوه؛ لرجوعه عن النصرانيّة، وفي طريق عودة رسول الله عبر الطائف أوفد الله إليه جبريل؛ يستأذنه بحتى يُطْبِق على أهل مكّة الجبلَين، إلّا أنّ رسول الله رفض ذلك؛ آملاً حتى يستجيب أحدهم لدعوته.

دعوة القبائل العربيّة
كان رسول الله حريصاً على استغلال موسم الحجّ في دعوة القبائل العربية إلى الإسلام، وكان يتحرّى أماكن تجمُّع الحجّاج، كالأسواق، مثل: سوق عُكاظ، وسوق مجنّة، وسوق ذي المجاز، ومع جميعّ الجهد الذي بذله رسول الله في ذلك، إلّا أنّه لم تستجب أيّ قبيلةٍ لدعوته، وكانوا يردّون عليه بأسوأ ما عندهم، ويُؤذونه؛ حيث كان يدعو القبائل واحدةً واحدةً؛ حيث كان يخبر جميعّ واحدةٍ منها أنّه رسولٌ عبر عند الله، ثمّ يدعوهم إلى عبادة الله -تعالى-، والابتعاد عن الشرك، وعن عبادة ما سواه، وحتى يصدّقوه، ويحموه، إلّا أنّهم رفضوا دعوته، وعاندوه، وأصرّوا على ما هم عليه.

الدعوة في الخطوة المدنيّة
لمّا أراد الله للدعوة الظهور، والانتشار، وتحقيق العِزّة والمَنَعة للنبيّ، وللدعوة، خرج رسول الله في موسم الحجّ، فالتقى رجالاً عبر قبيلة الخزرج عبر موالي اليهود، ونادىهم إلى الإسلام في مكانٍ اسمه العقبة، وتجميعّم عن الإسلام، وتلا عليهم آيات عبر القرآن، فقَبِلوا ما عُرِض عليهم، وخرجوا مُتوجّهين إلى قومهم؛ ليدعوهم إلى ما آمنوا به.

بدأ الناس في الجزيرة العربيّة ومكّة المُكرّمة بالهجرة إلى المدينة المُنوَّرة، وأقام رسول الله والمسلمون فيها، وعاشوا أوضاعاً تختلف عمّا عاشوه في مكّة، ومع اختلاف فئات الناس، وطبقاتهم، واتّجاهاتهم، إلّا أنّهم خضعوا لرسول الله، وساروا نحو أمره، كما لَقي رسول الله المهاجرين الذين هجروا بيوتهم، وأهليهم، وأموالهم؛ ابتغاء فضل الله، ورضوانه، نطق الله -تعالى-: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)، ولَقِي معهم أيضاً الأنصار الذين آمنوا برسول الله قبل حتى يروه، وكان إيمانهم إيماناً يقينيّاً، فكان لا بُدّ عبر تنظيم العلاقة بين جميعّ الفئات بوجود القيادة، وتحديد الحقوق، والواجبات لجميعّ مَن هو ضمن دائرة مجتمع المدينة، وذلك عبر خلال:

للمزيد عبر التفاصيل عن الهجرة النبوية عبر مكة إلى المدينة الاطّلاع على منطقة: ((هجرة الرسول عبر مكة إلى المدينة)).

المُؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

أتمّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- المُؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛ ليكونوا مُترابطين مُتكافلين، ولم تقتصر المُؤاخاة فيما بين المهاجرين والأنصار؛ فقد تمّت أيضاً بين المهاجرين أنفسهم؛ إذ آخى رسول الله بينه وبين عليّ بن أبي طالب -وجميعاهما مُهاجرٌ- في مسجد رسول الله، كما كان يُؤاخي بين المسلمين جميعّما ولج في الإسلام أحدٌ، أو قَدِم مُهاجرٌ جديدٌ إلى المدينة، وقد ظهر ما عند الأنصار عبر الإيثار، وحبّ الخير للغير، ولم يكن المهاجرين أقلّ منهم في ذلك؛ فقد ردّوا إلى الأنصار جميعّ ما أعطوهم إيّاه حين استقرّت أمورهم، فأصبح المسلمون بذلك مجتمعاً واحداً، لا فرق فيه بين كبيرٍ وصغيرٍ، أو غنيٍّ وفقيرٍ، أو مهاجرٍ وأنصاريّ، أو حُرٍّ وعَبدٍ، بل كانوا جميعاً تحت راية الإسلام، وقيادة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ مُتواضعين لله، خاشعين، عابدين، وقد أثنى الله -سبحانه- عليهم في كثيرٍ عبر الآيات القرآنيّة، منها قوله: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

وثيقة المدينة

اتىت وثيقة المدينة بعد المُؤاخاة؛ لتنظيم العلاقات بين الناس في المدينة المُنوَّرة، ضمن نصوصٍ مكتوبةٍ تُبيّن لجميعٍّ منهم ما له، وما عليه، وتضع الضوابط التي يسير الناس عليها في تعاملهم مع الآخرين داخل المدينة، وخارجها، وقد مثّلت الوثيقة أوّل دستورٍ شرعيٍّ في الدولة الإسلاميّة في المدينة المُنوَّرة، ولم تهجر الوثيقة قبيلةً عبر قبائل المدينة إلّا وضعت لها بنداً، وقانوناً، ونظّمت العلاقة بين القبائل، كما نظّمت الوثيقة حركة المسلمين وغيرهم بين مكّة والمدينة، ومن هنا بدأ رسول الله بنَشر بالدعوة عن طريق الجهاد في سبيل الله.

مجتمع المدينة المُنوَّرة

تشكّلت ملامح المجتمع المسلم، وأصبح مثالاً على جميعّ خيرٍ؛ بما تضمّنه عبر الصلاح، والخُلوّ عبر الفساد، والضياع، والفقر، والضعف؛ فقد طبّق رسول الله بنود الوثيقة تطبيقاً عمليّاً، ولم يجعلها مُجرَّد بنودٍ وحسب، وإنّما تشكّلت إنسانيّة المسلم وِفق ما اتى فيها عبر الأخلاق، والسلوك، ومن أبرزّ العناصر التي قام عليها المجتمع كماليّة الدين؛ فكانت الدعوة في مكّة قائمةً على بناء العقيدة السليمة عبر أجل بناء المجتمع المسلم؛ إذ إنّ التصرُّفات تعتمد على الاعتقادات؛ ولهذا بدأ رسول الله بالعقيدة حتى اطمأنّت نفوس المسلمين، وأصبح الإيمان يقينيّاً داخلهم، ثمّ تدرّجت أحكام الشريعة بالنزول عليهم؛ وِفقاً للأحداث، والمُجرَيات الواقعة، فما كان منهم إلّا حتى استجابوا لما أُنزِل عليهم، وطبّقوه دون أدنى شَكٍّ، أو تردُّدٍ، ويتّضح عبر آيات القرآن الكريم أنّ الأوامر والنواهي لم تتكرّر كثيراً؛ فقد كانت تُطبَّق بمُجرَّد نزولها، وكان رسول الله هو المَرجع في التوجيه، والاستفسار، وبَقِي المسلمون على هذا الحال حتى اكتمل الدين، نطق الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).

ويُشار إلى أنّ الأحكام الشرعيّة انقسمت إلى قسمَين، هما: الأحكام المُرتبِطة بالعبادات، كالصلاة، والصيام، والزكاة، والزواج، والأحكام المُتعلِّقة بأنشطة الحياة اليوميّة، المُتغيّرة والمُتجدِّدة، والتي تختلف عبر مكانٍ إلى آخرٍ، ومن زمنٍ إلى آخرٍ؛ فكان الحُكم فيها بقواعد يتمّ استنباطها منها، وقد اتّصف الدين الإسلاميّ بالكثير عبر الصفات، منها:
  • -موافقة الفِطرة؛ فأحكام الإسلام والتكاليف الواردة وردت ضمن طاقة الإنسان، وما خلقه الله -تعالى- عليه، وبأدائها يشعر العبد بالراحة والرضا، كما يهتمّ الإسلام بتنمية بذرة الخير في نفس المسلم، ومحاربة الشرّ في داخله؛ فيسير وِفق الصراط المستقيم الذي يريده الله -عزّ وجلّ-.
  • -الشمول؛ إذ يمكن تطبيق الإسلام في الأحوال جميعها؛ سواءً كان العبد غنيّاً أو فقيراً، كبيراً أو صغيراً، حاكماً أو محكوماً، وما إلى ذلك، على اختلاف الأحوال جميعها.

قيادة المجتمع المسلم في المدينة المُنوَّرة

كانت قيادة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للمجتمع في المدينة المُنوَّرة مُرتكِزةً على القرآن الكريم؛ فرسول الله بمثابة صِلة العباد بالله؛ إذ يبلّغهم ما أُنزل إليه، ويحثّهم على التمسّك به، والعمل بمضمونه، وبهذا أدّى رسول الله ما أُمِر به، نطق -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، وكان رسول الله أميناً في التبليغ، وحريصاً على وصول الإسلام إلى الناس، حزيناً على انصرافهم عنه، وحريصاً على أصحابه عبر حتى يصيبهم أيّ أذى، كما لم يتنازل رسول الله عن تطبيق حدود الله، وبذلك فإنّ المجتمع المسلم في المدينة المُنوَّرة تغيّرت أحواله على الأصعدة جميعها، إذ تلقّى الصحابة التغيُّر بالإيمان، والتصديق، والعمل؛ فأدَّوا الأوامر، واجتنبوا النواهي بحُبٍّ، ورضا.

لم يلتفت الصحابة إلى غير ما أُنزِل إليهم عن طريق الوحي، بل اكتفوا بما عندهم عبر الدين التام الذي لا يعتريه النقص، وقد وضع رسول الله أُسس التعامل مع الآخرين داخل المجتمع؛ عبر أجل تحقيق مصالح الجميع، وبذلك كانت رسالة الإسلام مثالاً يُحتذى به في المجالات جميعها، وتحوّلت جميع المُؤسَّسات داخل الدولة إلى مُؤسَّساتٍ ذات صِبغةٍ شرعيّةٍ، كمسجد قِباء، والمسجد النبويّ الذي كان مركزاً لحركة المسلمين؛ ففيه تُؤدّى العبادات، وتُستقبَل القبائل والوفود، ومنه تنطلق الجيوش، كما أنّ القوانين الخاصّة بأهل الذمّة وُضِعت فيه، وقد وصف الله -تعالى- ذلك المجتمع بقوله: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)،

الجهاد

شرع الله -تعالى- الجهاد مروراً بالكثير عبر المراحل، وفيما يأتي بيانها بشجميع مُفصَّل:

فترة التحمّل والصبر
كانت هذه الخطوة في مكّة المكرّمة قبل هجرة المسلمين إلى المدينة المنورة، وقد أمر الله المسلمين بالصبر؛ لِما كان فيهم عبر عدم المقدرة على ردّ العدوان والمقابلة، إضافة إلى أنّ عددهم كان قليلاً مقارنةً بعدد المشركين؛ ولهذا لم يكن مطلوباً منهم إلّا الصبر، والحرص على الدين عبر الفتنة؛ بحيث يبذل جميعٌّ منهم جهده على نفسه، وقد وردت الكثير عبر الآيات القرآنية داعيةً وحاثّةً على التحمُّل والصبر على أذى المشركين، ومنها: قول الله -تعالى-: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا)، ومع أنّ الآيات كانت خطاباً مُوجَّهاً إلى رسول الله، إلّا أنّ أمر الرسول يُعَدّ أمراً لأمّته، وممّا شجّع المسلمين على ذلك معهدتهم بأنّ الله -تعالى- يدافع عنهم، ورغم التخلّي عن القتال، إلّا أنّ ذلك كان فيه تحقيق لأخفّ الضررَين في حقّ المسلمين، وكان قائماً معمولاً به، وهو عبر أنواع الجهاد الثابتة، والمُقرّرة.

فترة الإذن بالقتال
اتىت هذه الخطوة بعد هجرة المسلمين عبر مكّة المكرّمة إلى المدينة المُنوَّرة؛ حيث أنزل الله -تعالى- قوله: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)، فقد أَذِنَ الله للمسلمين بالقتال بعد ما عانوه عبر أذى المشركين قبل هجرتهم، ممّا أدّى بهم إلى الخروج عبر مكّة تاركين خلفهم جميعّ ما يملكونه، وكانوا أثناء تعرُّضهم للأذى يأتون إلى رسول الله يشكون إليه، وكان يُخبرهم في جميعّ مرّةٍ أنّه لم يُؤذَن له بالقتال بعد، وذلك إلى حين بيعة العقبة الثانية؛ حيث تضمّنت اتّفاق رسول الله مع الذين بايعوه على حتى ينصروه ويدافعوا عنه؛ فدلّ ذلك على قُرب الإذن بتشريع الجهاد، والقتال، ولمّا هاجر المسلمون بدأت قوّتهم بالظهور، فأُذِن بالقتال الذي كان في بداية الأمر على هيئة الغزوات والسرايا، وجميعّ ذلك كان قبل وقوع غزوة بدر.

وتجدر الإشارة إلى أنّ تلك الغزوات والسرايا لم يشارك فيها سوى المهاجرين دون الأنصار؛ حيث إنّ الإِذن كان مُقتصراً عليهم، كما أنّ هذه الخطوة لا تخلو عبر الجهاد بالصبر والعفو؛ فالإِذن بالقتال يختلف عن الأمر به، والقتال يحتاج إلى الصبر، والخروج للقتال كان اختياريّاً أيضاً؛ فالمسلمون حينما خرجوا مع رسول الله إلى بدر كان خروجهم تطوُّعاً منهم، وحبّاً للجهاد، ولذلك حرص النبي على مشاورة الأنصار في الخروج إلى القتال، وفي هذه الخطوة أيضاً بدأ التمهيد للفترة الثالثة؛ بالنهي عن الانسحاب عبر المعركة، والأمر بالثبات فيها، والشدّة في المقابلة، والثقة بنصر الله، وتجهيز القوّة عبر الجيش والخيل.

دعوة الخلفاء الراشدين
بدأت الخلافة الراشدة بعد وفاة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، واستمرّت ما يقارب ثلاثين عاماً، بدءاً عبر خلافة أبي بكر، ثمّ عُمر بن الخطّاب، ثمّ عثمان بن عفان، وختاماً بعلي بن أبي طالب، وفي عهدهم ازداد عدد مُعتنِقي الإسلام، وامتدّت رقعته إلى أنحاء الأرض، فانشغل أبو بكر الصديق بعد وفاة النبيّ بحروب المُرتدّين عن الإسلام، ومانعي الزكاة، وأنفذَ جيش أسامة، ولمّا فَرَغَ عبر ذلك أوفد جيوشاً إلى الكثير عبر النواحي؛ لنشر دعوة الإسلام، واندلعت الكثير عبر المعارك، كذات السلاسل، والنهر، والتي أدّت إلى فوز المسلمين وتحقيق غايتهم، وأتمّ عمر بن الخطاب تلك الغاية؛ فجهّز جيشاً بقيادة سعد بن أبي وقّاص، وأوفده إلى العراق، فكانت معركة القادسية التي انتصر فيها المسلمون.

واستمرّ المسلمون على ذلك النهج؛ ففتحوا بلاد العراق، وإيران، حتى أصبحت بلاد فارس جميعها إسلاميّةً، وأكملوا ما تبقّى عبر فتح بلاد الشام بقيادة عامر بن الجراح حتى وصلوا إلى بيت المقدس، فصالح عمر بن الخطاب أهلها، ومنحهم الأمان، وأكمل عثمان بن عفان مسيرة مَن قبله؛ فأوفد الجيوش إلى أفريقيا، وبلاد ما وراء النهر، وغيرهما، ويُشار إلى أنّ دعوة الخلفاء امتازت بالوعي الفكريّ؛ حيث اعتنق معظم سكّان البلاد الإسلام، وظهر الاهتمام بالتعليم، وبرزت الجهود الفكريّة في المراحل جميعها، ومنها: جمع القرآن في عهد أبي بكر، ونسخه في عهد عثمان، والحرص على نشر الفهم، وحفظ القرآن، والسنّة النبويّة الشريفة، وغيرها عبر الجهود.

وسائل الدعوة الإسلامية
بعث الله -تعالى- رسوله محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم-، وأمره بتبليغ رسالة الإسلام إلى جميعّ عبر يمكن تبليغه، فلجأ النبيّ إلى الكثير عبر الوسائل الممكنة؛ لتحقيق الغاية المنشودة، ومن تلك الوسائل:
  • - الحكمة والموعظة الحسنة: وهي عبر الأساليب الضرورية في الدعوة، نطق الله -تعالى-: (ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدينَ)، ويُراد بالحكمة: القول المَبنيّ على أُسسٍ فهميّةٍ دقيقةٍ مُتضمِّنةٍ للأدلّة والبراهين، بالإضافة إلى الموعظة الحسنة؛ ترغيباً في المودّة، واللين، والتعامل الحَسن، ثمّ المجادلة بالحُسنى؛ وهي المناقشة باستخدام الأساليب الحَسنة، وعلى الداعية حتى يوظّف جميعّاً منها في الموضع المناسب لها؛ فلا يبخل بها، ولا يفرط في استعمالها، كما ينبغي عليه حتى يتّصف بالتواضع، والزهد، والكرم، وحُسن الخُلق، ودفع السوء بالإحسان.
  • - الدعوة الفرديّة: فكان رسول الله يدعو مَن امتازوا بالذكاء والفِطنة، وكانوا يستجيبون لدعوته؛ فحفظوا الإسلام، ودافعوا عنه، كأبي بكرٍ، وعلي بن أبي طالب، وخديجة بنت خويلد، وقد استمرّ هذا الأسلوب عبر الدعوة في المراحل جميعها، وعلى الرغم عبر أنّ مركزه كان في مكّة المكرّمة، إلّا أنّه لم ينبتر بعد الهجرة.
  • - الدعوة الجماعية: وكانت أيضاً في مكّة، ولها الكثير عبر النماذج، منها: دعوة الرسول لجماعاتٍ عبر قريش، ودعوته للأنصار في العقبة مرّتين، واجتماع الرسول مع الذين أسلموا في دار الأرقم، وقد استمرّت تلك الصورة في المدينة أيضاً؛ بإلقاء الخُطب، والمواعظ، وما إلى ذلك.
  • - الوعظ والتذكير: فقد كان رسول الله يستغلّ المواقف، والأماكن التي يُوجَد فيها الصحابة؛ فيَعِظُهُم ويذكّرهم، ويقدّم لهم هل تعلم ماذا يعني نافعٌ عبر أمور دينهم.
  • - القصص والأمثال: وهي عبر أكثر وسائل الدعوة نفعاً، وأكثرها تأثيراً على سامعها، كما تتميّز بسهولتها، ومرونتها، وقد وردت الكثير عبر القصص في القرآن الكريم، والسنّة النبويّة الشريفة، كقول الله -تعالى-: (نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ بِما أَوحَينا إِلَيكَ هـذَا القُرآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبلِهِ لَمِنَ الغافِلينَ).
  • - إرسال الرسل: فقد حرص رسول الله على إرسال الصحابة الذين تميّزوا بالفهم إلى البلدان؛ ليدعوا الناس إلى الإسلام، ويُعلّموهم تعاليمه، كإرساله مُعصب بن عُمير إلى المدينة المُنوّرة قبل الهجرة.
  • - كتابة الرسائل إلى الملوك: وذلك لدعوتهم، ودعوة أقوامهم إلى توحيد الله، ومنهم: هرقل عظيم الروم، والنجاشيّ ملك الحبشة، وغيرهما.
  • - إنفاق المال: وذلك لتأليف القلوب للإسلام؛ حيث ورد أنّ رسول الله كان يبذل الكثير عبر الأموال في سبيل الدعوة إلى توحيد الله، وفي ذلك روى الإمام مسلم في سليمه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ غَنَمًا بيْنَ جَبَلَيْنِ، فأعْطَاهُ إيَّاهُ، فأتَى قَوْمَهُ فَنطقَ: أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَوَاللَّهِ إنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً ما يَخَافُ الفَقْرَ فَنطقَ أَنَسٌ: إنْ كانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ ما يُرِيدُ إلَّا الدُّنْيَا، فَما يُسْلِمُ حتَّى يَكونَ الإسْلَامُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَما عَلَيْهَا).

تعريف الدعوة والداعي
تعريف الدعوة
تُعرَّف الدعوة في اللغة والاصطلاح كما يأتي:
  • - الدعوة في اللغة: عبر النادىء، يُنطق: تداعى الأفراد؛ أي اجتمعوا، ويُنطق: نادى إلى أمرٍ ما؛ أي حثّ عليه، ورغّب به، فالدعوة في اللغة تدور حول معاني السؤال، والطلب، والحَثّ، والتحفيز، والترغيب.
  • - الدعوة في الاصطلاح الشرعيّ: تَرِد الدعوة بأكثر عبر معنى كما فسّرها أكثر عبر عالِمٍ؛ فقد عرّفها ابن تيمية بأنّها: الدعوة إلى الإيمان بالله -تعالى-؛ بالتصديق، واليقين بأركان الإيمان، وأركان الإسلام، وصولاً إلى مرتبة الإحسان، وعُرِّفت بأنّها: تقديم النصيحة والإرشاد ممّن هم أهلٌ لذلك في جميعّ وقتٍ، وفي أيّ مكانٍ؛ وذلك لتحفيز الناس للإسلام، وتحذيرهم عبر غيره، وِفق مناهج مُخصَّصةٍ، وعُرِّفت أيضاً بأنّها: بذل الجهد في نشر دين الله، وعرَّفها محمد الغزالي بأنّها: منظومةٌ مُتتامةٌ تضمّ جميع الثقافات التي تُرشد الناس إلى طريق الخير، ويمكن تلخيص التعريفات السابقة بالقول إنّ الدعوة هي: إيصال الإسلام إلى الناس بجميعّ ما يضمه عبر العبادات، والمعاملات، والاعتقادات، والأخلاق، والسلوكيّات، وِفق مَنهجٍ فهميٍّ.

تعريف الداعي
يُطلَق لفظ (الداعي) على مَن يمارس الدعوة، ويُؤدّيها، أمّا في الشرع، فهو يُعرَّف بأنّه: مَن يُبلّغ الإسلام، ويُعلّمه للآخرين، ويعمل جاهداً في سبيل تطبيقهم إيّاه، ويمكن إطلاق لفظ الداعي على جميعّ عبر يُؤدّي عملاً واحداً عبر أعمال الدعوة، أمّا مَن يُؤدّيها جميعها فهو الداعي التام، نطق -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا*وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا)، كما يُمكن حتى يُطلَق لفظ الداعي على جميعّ مسلمٍ؛ لأنّ الدعوة إلى الله وظيفة المسلمين جميعهم، نطق الله -سبحانه-: (قُل هـذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّـهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني).

للمزيد عبر التفاصيل عن حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الاطّلاع على منطقة: ((بحث عن حياة الرسول منذ مولده حتى وفاته)).


الهامش *شِعاب: جمع شِعْب؛ وهو المكان أو الطريق الواقع بين جبلَين. *الليالي ذوات العدد: وهي تُمثّل المُدد (جمع مدّة) التي كان يقضيها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في غار حراء، ثمّ يرجع إلى أهله، ويُشار إلى أنّ العدد أُبهِم؛ لاختلافه.

المراجع
  1. سورة فصلت، آية: 33.
  2. يوسف القرضاوي، ثقافة الداعية، القاهرة: مخطة وهبة، صفحة 3. بتصرّف.
  3. سورة المدثر، آية: أ-7.
  4. "الدعوة السرية وفقهها "، مجلة جميعية الشريعة ، العدد 3، صفحة 17ج-176. بتصرّف.
  5. ^ فريد الأنصاري، كتاب الأمة، صفحة 7ز-84. بتصرّف.
  6. مجموعة عبر المؤلفين (2013م)، المؤتمر الدولي الأول للسيرة النبوية، الخرطوم: جامعة إفريقيا العالمة، صفحة 13. بتصرّف.
  7. "الدعوة السرية وفقهها"، مجة جميعية الشريعة، العدد الثالث، صفحة 17ذ-192. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في سليم مسلم، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 19، سليم.
  9. سورة الشعراء، آية: 214.
  10. أمين الظاهر، مراحل الدعوة ودورها في تحقيق مقاصد الشريعة ، صفحة ط-16. بتصرّف.
  11. إسلام ويب (ذ-ح-2005 م)، "مراحل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 1ز-ب-2020. بتصرّف.
  12. علي الصلابي، السيرة النبوية (الطبعة الثانية)، دمشق: دار ابن كثير، صفحة 2ش-219، جزء 1. بتصرّف.
  13. سورة المسد، آية: أ-5.
  14. صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، دمشق: دار العصماء، صفحة 7ت-74. بتصرّف.
  15. علاء الدين مغلطاي، الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ عبر بعده عبر الخلفاء، دمشق: دار القلم ، صفحة 142. بتصرّف.
  16. أبو القاسم السهيلي ، الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 3ب-38. بتصرّف.
  17. أبو القاسم السهيلي، الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، صفحة 4ت-45. بتصرّف.
  18. سورة الحشر، آية: 8.
  19. ^ أحمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، صفحة 10ز-123. بتصرّف.
  20. سورة الحشر، آية: 9.
  21. سورة المائدة، آية: 3.
  22. ^ أحمد غلوش (2004م)، السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني (الطبعة الأولى)، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 20ج-209. بتصرّف.
  23. سورة المائدة، آية: 67.
  24. ^ أحمد غلوش، كتاب السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، صفحة 2ر-222. بتصرّف.
  25. سورة آل عمران، آية: 110.
  26. ^ أحمد غلوش، كتاب السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، صفحة 230-238. بتصرّف.
  27. سورة المزمل، آية: 10.
  28. سورة الحج، آية: 39.
  29. ^ محمد البيانوني، المدخل إلى فهم الدعوة (الطبعة الثالثة)، بيروت : مؤسسة الرسالة، صفحة 8ز-94. بتصرّف.
  30. إسلام ويب (ش-د-2002)، "الوسائل النبوية في الدعوة إلى الله"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2أ-أ-2020. بتصرّف.
  31. سورة النحل، آية: 125.
  32. عبد العاطي شلبي ، كتاب الخطابة الإسلامية، صفحة 7ذ-79. بتصرّف.
  33. سعيد القحطاني، كتاب فقه الدعوة في سليم الإمام البخاري، صفحة 961، جزء 2. بتصرّف.
  34. سورة يوسف، آية: 3.
  35. رواه مسلم، في سليم مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2312، سليم.
  36. علاء الدين الزاكي، "وسائل الدعوة بين الأصالة والمعاصرة "، دراسات دعوية، العدد 16، صفحة ت-5. بتصرّف.
  37. سورة الأحزاب، آية: 4ح-46.
  38. سورة يوسف، آية: 108.
  39. محمد ابو الفتح البيانوني، المدخل إلى فهم الدعوة (الطبعة الثالثة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 40-41. بتصرّف.
  40. "تعريف و معنى شعاب في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2خ-أ-2019. بتصرّف.
  41. "المقصود بالليالي ذوات العدد"، www.islamweb.net، ح-ح-2004، اطّلع عليه بتاريخ ت-ب-2020. بتصرّف.
السابق
حقوق المساجد في الإسلام
التالي
قدرة الله في خلق الكون

0 تعليقات

أضف تعليقا

اترك تعليقاً