قناة علوم عظيمة على اليوتيوب

علوم الدين

الصحون اللاقطة والبث المصور والطاقة النووية لدى النبي سليمان عليه السلام

 

تتمة للبحث السابق لإبراهيم ابو عرفة.

فهي بهذه المعطيات كلها ، تلك " صحون لاقطة " كالتي نعرفها اليوم ، ولكن بجوهرها وأدائها الكامل المتقن ، فما كان عند سليمان عليه السلام ، كان بالوحي والنبوة ، وما عندنا فهو بالتجربة والإكتشاف ، والخطأ والصواب ، ونحن من نقلد سليمان لا هو ، وهو من سبقنا ، لا نحن ! .

فهي هكذا بإختصار :" جفان كالجوابي " ، أو " صحون كاللواقط " !
الحصون اللاقطة والطاقة النووية لدى النبي سليمان عليه السلام

 
هذه الصورة أعلاه لتوضيح المراد ، وهي صورة لأضخم " صحن لاقط " في العالم ، قطره ألف قدم ، أنظر إلى البنايات والسيارات المجاورة وقسْهَا إلى هذا " الجفن " العظيم ، وهو في ولاية " بورتوريكو " بالولايات المتحدة الأمريكية ، ولا يذهب خيالك إلى الصحون الصغيرة ( الدشوش ) التي تعلوا أسطحة المنازل اليوم !

وسيتسارع الناس ساعتها ويسألون : وهل كان عند سليمان عليه السلام
" صحون لاقطة " ؟
فنقول : وهل كان سليمان بهذه البساطة لنتفاخر بما عنده من الصحون والقدور للطعام ؟
وهل نكرم سليمان حين نمجده بما نترفع نحن عن فعله ؟!

وقد يسأل سائل : لمَ لم يقل الله " جفان جوابي " بدل " جفان كالجواب " ، لتكون صريحة في الوصف للصحون اللاقطة ، كما أنه تعالى قال :
" قدور راسيات " .. لا " قدور كالراسيات " ؟

فنقول : يظهر أن المؤدى المتحصل من الجفان التي كالجوابي ، يقوم على ركنين منفصلين : ركن الجفن وخاصيته من الشكل والإستدارة ، و ركن الجابية وخاصيتها في الجمع واللم .

إذ ليس كل جفن جابية ، ولا كل جابية جفن ، فأخذنا من الجفن شكله وتقعيره ، ومن الجابية جمعها ولمّها . وكذلك سمي ( جابي الضرائب ) لأنه يدور ويجمع ويلّم الزكاة والضرائب .

ونلفت النظر أيضاً إلى ما في جذر " جَفَنَ " وعلاقته بالغطاء الذي يحوي العين من فوقها ومن أسفلها ، وما قد تفيده هذه العلاقة من وظيفة العين من اللحظ وإلتقاط الصور !

لنرجع إلى ما قدمنا من فرض القرآن لسليمان على أنه المثل الأعلى للملك ، وهو الذي أوتي من كل شيء ، فما هذا الذي يصلح أن يوصف بأنه " من كل شيء " ، دون أن يكون فيه شيء مما يقوم الناس به اليوم ويعتمدون عليه ؟
فحسب فهم أصحاب هذا السؤال ، فإن سليمان عليه السلام لا يتمتع بكثير مما ينعم به فقراء هذا الزمن ! ،
فيؤتى هو من كل شيء ، وهم لا يؤتون إلا قليلاً ، ولكنهم أقدر وأكثر أشياءً ؟!
فهل منا وبيننا من يرى أن القرآن لزمان إنقضى ، فلا يقاس على ما نحن فيه الآن ؟!

بعض الناس سيقولون : إن هذا تحميل لما لا يحتمل ، فنقول :
بل تحميل سليمان الذي يفاخر الله بملكه ، لصحون الطعام التي يترفع العقلاء وينصرفون عن فعلها ، وتحميلها للنبي العظيم ، لهو عين التحميل لما لا يحتمل .

 

 

 

 

وقدور راسيات ..

كما أشرنا ، فالتفاسير تقول إنها قدور الطبخ للطعام ! ، وكما رددنا هذا الفهم فيما خص " الجفان التي كالجواب " ، نرد هذا الفهم فيما يخص القدور . فليست قدور الطعام مما يُفخر به ، ولا مما تُجمع له الخوارق والنبوات ! ، كما أن وصفها في القرآن يرد هذا المذهب ، فهي " قدور راسيات " ، وليس هذا مما توصف به قدور الطعام مهما عظمت وبلغ قدرها وعلوها ! .
فماذا تعني الراسيات ؟
الراسيات في القرآن هي الجبال ، ولم يوصف بها غير الجبال ، فلم وكيف تكون الرواسي رواسياً ؟ ، فرسو الجبال ، صفة لولوجها في بطن الأرض لا لظهورها على سطحها والذي هو " النصب أو الإنتصاب" ، لا الرسو ، قال تعالى :
" أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ " .( الغاشية : 1719 ) .
فهذا الذي ينظرون إليه ويرونه هو المنصوب ، أما الرواسي , فحال صفة أخرى :
" وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ". ( النحل : 15 ) ،
وهي التي يصفها القرآن أيضاً بالأوتاد :
" أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً * وَالجِبَالَ أَوْتَاداً " . ( النَّبأ : 67 ) .

فهي التي تلج في الأرض وتسبر فيها . فلمَ يوصف القدر بالرسو إذا أردنا أن نصف كبره وعلوه وحسب ؟ ، فلو كان كذلك لقلنا لكل بناء كبير ثابت ، أنه بناء راس ، فيما لا ترانا نقول هذا ولا نصف قصراً أو صرحاً بأنه راس !.
فلم القدور ، وكيف تكون راسيات ؟
لكي تكون راسيات كما الجبال ، وجب أن تلج في الأرض وتدخل فيها لتكون راسية كالرواسي ، وقدور الطبخ ليست كذلك .
فما هي القدور التي ترسو في الأرض ؟
أولاً : وقبل كل شيء ، نحن لا نتكلف حين نبحث ضمن اللفظ والمعنى القرآني ، ولكن بما يناسب السياق المضطرد العام ، ونرفض التأويل بما لم يتفق مع المُشاهد والمعلوم ، ونرفض أن نساوي " شرح " الناس وكلامهم في آية ما بالآية نفسها ، فالآية شيء و " شرحها " شيء ، ولا يستويان .
فالقدر : هو بظاهر اللفظ والمعنى ، ذلك المحل الحاوي ، الذي نضع فيه مادة أو مادتين أو أكثر " بقدر " ما بينها جميعاً ، ثم قد تغلي جميعاً ، أو تصهر أو تطبخ .

وبالرجوع إلى ما قدمنا من دلالة " الراسيات " ، نجد أن الآية تتحدث وتصف قدراً ضخماً ، يشابه الجبل في رسوه وغوره في الأرض .
وكما قدمنا من قبل أنه لا يستو أبداً أن يكون سليمان عليه السلام طباخاً ولا طاهياً ، بل هو الملك المسيطر ذو الجنود .
فوجب لما يفرضه السياق من ترابط الدلالة والمعاني ، أن يكون هذا في سياق التمكين والعلو والملك الشديد ، وليس عند البشرية اليوم من " القدور الضخمة الراسية " ما تفاخر به ، وتتنافس عليه الأمم القوية والدول العظمى ، سوى تلك " المفاعلات النووية " الضخمة ، بما تحويه من المواد " المقدرة " بدقة ، المصهورة المتفاعلة بدرجاتها العليا . وهي الراسية كذلك بما يدخل من أجزائها الغالبة في بطن الأرض ، ليزيد من ثباتها أمام الهزات والزلازل والأعاصير حتى لا تنخلع وينتشر محتواها ، وتصير كارثة عالمية .

أنظر إلى هذه المفاعلات ، و قارن شكلها بالقدور التي بين أيدنا اليوم ( قدور المضغوط ) ، و أنتبه إلى حجمها مقارن بالبناية الضخمة على يسار الصورة !

ولا نكاد نجد دولة قوية إقتصادياً وعسكرياً تخلو من هذه " القدور الراسيات " ، وهذه الصورة التي عرضناها أعلاه للمفاعلات النووية ، هل نستطيع أن نشير إليها ونقول هذه " قدور راسيات " ؟
فإذا قلنا نعم ، فنحن أمام خيارين ، إما خيار قدور الطبخ ، وإما قدور المفاعلات وما وراءها من القوة والقدرة ، فلتختر لنفسك أيهما تشاء ! .
 

 


 

 

" التماثيل "

ولا يبعد القارئ عن الصواب إذا ذهب إلى مادة " مثل " ومفرداتها ودلالاتها في لسان العرب ،
ومنه " مثّل " بالتشديد ، و " تماثيل " ، حتى صارت تطلق الكلمة ( فيما تطلق فيه ) على " المنحوتات " و " المصورات " ، حتى أن كثيراً من علماء الحديث ليحملون حديث النبي عليه وآله الصلاة والسلام في النهي عن " التصاوير " إلى مرادها من " التماثيل " ذوات الظل والأبعاد .


وكما بدأنا البحث في نقل ما تقوله كتب التفسير ، فتقول فيما يخص " التماثيل " من أنها تماثيل الحيوان أو الملائكة أو الصالحين ، ثم قالوا : لعل هذا كان جائزاً في شرعه ! .


فنقول ، على فرض الجواز : ما المصلحة في هذه التماثيل بالوجه الذي يراه علماؤنا المفسرون ؟ .
فإذا كان النبي بينهم ، فما حاجتهم لتماثيل الصالحين ، وإذا كانت الملائكة أصلاً من الغيب وعلومه ، فلم يصورها لهم ؟ إلى جانب إنه لم يثبت بهذا القول نص ولا دليل .


إن ما بدأنا به البحث ، من أن هذه الأربعة : " المحاريب والتماثيل والجفان والقدور" ، هي في معرض وصف إستمكان سليمان وسلطانه القوي ، وإستعداده الشديد لتمكين دين الله في الأرض ، كل الأرض ،
فنرى أن هذا أدعى لصرف الدلالة والمعنى لـ " التماثيل " ، إلى ما قد يصب في هذا السياق ، ويجلّي الصورة الكاملة على وجهها .


فكيف لنا أن نتصور حاجته للتماثيل فيما يتفق ويخص مثل هذه الإستعدادت ؟ أو ماذا يفعل نبي ملك محارب فاتح بـ " التماثيل " ؟

سنجد أكثر من جواب لأكثر من حاجة ومراد ، فيكفي فقط أن تتخيل حاجتك في الحروب إلى سلاح " التمثيل " ، ولك أن تتخيل كم ستفعل بسلاح مثل هذا ، أو كم يفيد " التمثيل " في شرح أركان العقيدة التي يتولى سليمان حملها وشرحها وتثبيتها !


فقد يخوض حرباً كاملة بالتأثير " التمثيلي " وما يتركه من أثر في الترهيب والترغيب ، فينهي حرباً كاملة دون إراقة قطرة دم : فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا، أو قد ينقل أمة كاملة إلى الإسلام بـ " تمثيل" واحد لفكرة ما ! ، ففيما يعتمد نبي آخر على بلاغته في الوصف والشرح ، في الكون والحياة ، فقد يذهب سليمان إلى أبعد من هذا ، و " يمثل " لما يريد ! .


وما نراه اليوم من جنوح الدول القوية العظمى إلى سلاح " الإعلام" والتمثيل ، إيجاباً وسلباً ، وتأثيرها البالغ في النفوس المتلقية للمشاهد ، أبلغ دليل على دعامة " التمثيل " لكل سلطان ذي عقيدة أو حاجة . ولنا أن نقف مرة أخرى عند فهم علماء الحديث ، لنهي النبي عليه وآله الصلاة والسلام عن " التصاوير" وحملهم الكلمة على " التماثيل" المظللة ذات الأبعاد .


فماذا بين " التماثيل " و " التصاوير " و " الصور " ؟


وهل كانت تصاويراً ذات حركة أم جامدة ؟ ، ومن يملك منا أن يبطل واحدة منهما ، ويبقي الأخرى ؟ ، ومن منا يجزم أن مَلِكاً ممكناً كسليمان عليه السلام المؤتى من كل شيء ، لم يسبقنا إلى بث الصور والتصاوير ؟ ، بل بأفضل مما نحن عليه اليوم من البث بالبعد الواحد ، فيكون عنده " تفاعيل " للبث الصوري بأبعاده الثلاثة ، كما يحلم علماء الحضارة والعصر ؟!


فلن تعدو الشاشات التي أمامنا أن تكون " تماثيل " ذات وجه واحد ، لإنسان أو حيوان أو جماد ، تتبدل وتتلون حسب المراد ، فيما يأمل صانعوها أن تصير يوماً ما بثلاثة أوجه وأبعاد ، بعد أن بدأ البث الرقمي والتماثيلي ، والآن هنالك النظارات ثلاثية الأبعاد ، ولكنهم لم يتمكنوا حتى الآن من البث ثلاثي الأبعاد عبر الثير .


فمن يثبت لنا أن المَلِك سليمان عليه السلام المُؤتى من كل شيء كان متخلفاً عن هذا كله ؟


وقد يقول قائل : إن هذا يستوجب شبكة كهربائية متطورة ، فهل يمكن أن نتصور مثلها عند سليمان ؟ فنقول : من قال أن الكهرباء هو النظام التوصيلي والتشغيلي الوحيد والمطلق ؟ ، فلعل سليمان سبقنا إلى ما هو أفضل من الكهرباء ! ، أو من يضمن لنا أن الملك المؤتى من كل شيء ، لم يكن عنده من هذا القبيل ، أو كان يحلم بشيء يضاهي ما عندنا ، فهل يعقل أننا نحن الذين لم نؤت من كل شيء ، وسبقناه إليه ؟؟؟!


 
 
" المحاريب "



الجذر " حرب " يفرض نفسه بقوة لصالح السياق الذي نشتد إليه ونشد عليه ، وفي الطرح القرآني إبتداءً ما يصرف " المحراب " عن المتبادر الأول عندنا ، من كونه " مُصّلى الإمام " وحسب ، إلى جانب ما يشمله لسان العرب من تصاريف للكلمة ، تتسع لدلالات أكثر من دلالة " مُصّلى الإمام " وإقتصارها عليه .


فـ " المحراب " في القرآن ، ورد خمس مرات ، أولها التي في ( آل عمران ) : " كلما دخل عليها زكريا المحراب " ، والثانية : " فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب " ، والثالثة التي في ( ص ) : " إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود " ، والرابعة التي في ( مريم ) : " فخرج على قومه من المحراب " ، والأخيرة التي نحن بصددها في " سبأ " .


ومن ينظر في الموارد الخمسة للمحاريب ، تنبه إلى ما نقول من أنها للصلاة ولغير الصلاة ، بل هي لغير الصلاة حيثما وردت ، أكثر منها للصلاة ، إذ تنصرف إلى " العزلة " في مكان حصين والتفرد أكثر من إنصرافها للصلاة ، فالتي في " آل عمران " أظهر في جانب " العزلة " ، حيث مريم في " المحراب " لا يدخل عليها أحد سوى زكريا عليه السلام ، فيتعجب كيف يأتيها رزقها بكرة وعشياً ، فهي في " معزلها " تُعَدّ لأمر عظيم ، حتى بات يأتيها رزقها خالصاً من السماء ، حتى يكتمل " عزلها وتطهيرها " ، ولو كان محراب المسجد لم يتعجب زكريا من ذلك ، ولكان ممكناً لأي شخص يدخل المسجد أن يأتي لها برزق .


ثم التي عند " الملك" المحارب داود أبي سليمان ، وهي أقدمها ذكراً ، إذا ما نسبت لداود عليه السلام ، فكل ذكر للمحراب في القرآن كان بعد داود عليه السلام ، سواء ما كان لإبنه سليمان ، أو لزكريا أو مريم ، فيكون أول ما عرفنا المحراب عند " الملك المحارب" داود عليه السلام . وصورة السور المضروب يؤكد دلالة ( المعزل ) : " إذ تسوروا المحراب " ، إذ لو كان محراباً في مسجد مفتوح ، لما ناسب هذا التصوير " المسور " للحدث ، ثم ما كان من فزع داود ، فلو لم يكن في " معزل وإنقطاع " لما فزع منهم ! . ثم التي في " سورة مريم " بحق زكريا : " فخرج على قومه من المحراب " ، فها هو " يخرج " من المحراب ، فلنتنبه إلى إيحاءات " الخروج " ، وما تضفيه الكلمة من العزلة ، ثم الخروج .


ولنا أن نبحث في جوانب دلالات المحراب في المدى الذي تستبيحه معانيها ، خاصة كيفما تصرفت الكلمة في لسان العرب ، إذ الكلمة أولاً نزلت عندهم منزل المكان المشرّف ، فهم يطلقونها على القصر ، وعلى صدر البيت ، ويسمون " الغرفة " محراباً ، ثم بتنا نحن نفهما بدلالتها التي نعرفها عليه في المساجد .


أما هي في الأصل فلغير هذا ، فالجذر " سجد" ، ومنها " المساجد " لا تسمح لك بكثير المعاني ، بعيداً عن لفظها الصريح ، ودلالته الواضحة المحصورة في فعل السجود ومكانه .


ومن هنا تساءلنا عن الجذر " حرب " ولم إلتزمناه بزاوية العبادة حصراً ؟ ، فيما هو في الأصل في غير هذا ، حتى أن " لسان العرب " يضم إلى " حرب " من المعاني ، معنى يؤكد ما نقول من دلالة " المعزل " ، إذ يقول اللسان : " وسمي المحراب محراباً ، لإنفراد الإمام فيه وبعده عن المصلين " ! ، ومن أهل اللغة من يراه مكاناً " يُرتقى " إليه ، ومنهم من يسمي " مأوى الأسد " محراباً ! .


فانظر إلى هذه الدلالات مجتمعة ، ما ورد منها في القرآن ، أو في لسان العرب ، وليضمها إلى سياق القصة "الحربي" وإستعدادت الملك المحارب سليمان المؤتى من كل شيء ، فلينظر بما ترجع الأنظار ! ، فبما تحتويه الكلمة من دلالة " العزل " و "الخصوصية" و "المحاربة" ، قد نفهم بعضاً من دلالاتها ومراميها .


فلعل " محاريب " سليمان ( و بما يناسب السياق والإستقراء ) كانت تلك المقرات السرية المعزولة ، للقيادة الحربية ، التي تدار منها أعتى أنظمة الأرض قوة وسطوة وسلطاناً ! ، ويبحث عنها اليهود الآن .


ولعل سليمان عليه السلام كان يدير ملكه العظيم من تلك " المحاريب " ، ومن تلك المحاريب كان يخرج على الناس بالخوارق والآيات ، مثلما اُعد المحراب لخروج كلمة الله إبن مريم ، على غير مألوف من الناس ، ومثلما اُعد المحراب لخروج يحي بن زكريا على غير ما اعتاد الناس ، ومثلما كان المحراب للملك شديد الملك داود ، عليه وعلى إبنه سليمان السلام .


ونلفت النظر أخيراً إلى ما احتوته سورة سبأ من إشارات ، لنا كل الحق أن نقف عندها طويلاً ، مستظلين بإتفاقات السياق الذي شددنا عليه ، من الملك والتمكين والسبق الذي كان لسليمان عليه السلام ، والذي أومن أن سليمان كان يملك أعلى ما قد نتصوره أو نصله من التقنية والممتلكات . ذلك هو الذي في الآية السابعة : " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ". ( سبأ : 7 ) .


ولن نسهب كثيراً في القول فيما تقوله كتب التفسير فيها ، فالآية جلية في محلها ومعناها ، ولكن هل لنا أن نقف عند تراكيبها ومضامينها بما يتفق مع السياق الذي نعتمد عليه ، من قدرة النبي المؤتى من كل شيء ، و ورودها في هذه السورة بالذات ؟ فإذا كنا نتحدث عن " البث " المتطور ، للصوت والصورة ، وما يسعى إليه العلم الحاضر ( مسبوقاً بقدرات النبي سليمان ) ، إذا كنا نتحدث عن هذا " البث " مدركين لآلية عمله ، ومراحل تطبيقه ، القائمة على " التحول " من شكل ما للمادة أو للطاقة ، إلى شكل آخر يمكن " بثه " ، ثم إستقباله مرة آخري ، و " تجميعه" ليعود على ما كان عليه قبل البث .


وهذا هو ذاته ما تسعى التقنية الحاضرة من خلاله إلى " بث " الأجسام المادية وترحيلها إلى مكان آخر ، ثم استقبالها و " تجميعها " بسرعة تضاهي سرعة الضوء ، أو ما يعدل لمح البصر ( قبل أن يرتد إليك طرفك ) . والعلماء التقنيون ، يقولون إن ذلك ممكناً ، إذا حولنا الجسم المادي إلى ذراته الأولية ، لنبثها على شكل طاقة ، ثم نعيد " تجميعها " من جديد ( تجارب ستار تراك Star Track ) .

والآن يمكن أن نقرأ الآية بعين تتفق مع سياقات القدرة الفائقة لسليمان ، مثلما فعل بعرش بلقيس ، فهو فعلها بعلم من الكتاب لا بدعوة نبي ، فالآية تصف هذا الوصف البليغ لتحول الجسم إلى ذراته الأولى :

( إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ )
ولا يكون التمزيق " كل ممزق " ، ما بقي في الجسم ما يمكن قسمته أو " تمزيقه " ! .
ثم تأتي المرحلة التالية ، لإعادة الإستحضار و " التجميع " من جديد :
( إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) !

وقد يقول قائل : إن الآية جاءت في معرض الموت والبعث ، فنقول : نعم ، ولكن من يجزم لنا أنها لم تكن لأشياء وعلوم أخرى ؟ ، فها هو " التفتيت " ثم " التجميع " من جديد ، بما لا تكلّف فيه ! .


وصلى الله على النبي محمد وعلى آله وأهله وأصحابه ، والحمد لله رب العالمين .


المصادر :
كتاب الله الكريم
قواميس اللغة العربية
الشيخ صلاح الدين أبو عرفة

 

 

 

 

السابق
أطوار القمر: هل القمر يصدر نوره الخاص أم يعكس أشعة الشمس؟
التالي
هل هناك مركز القطب الجنوبي؟ أم انها مراكز لمحيط الأرض المسطحة؟

0 تعليقات

أضف تعليقا

اترك تعليقاً